سورة الزمر - تفسير تفسير الألوسي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الزمر)


        


{قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصًا لَهُ دِينِي (14)}
{قُلِ الله أَعْبُدُ} لا غيره سبحانه لا استقلالًا ولا اشتراكًا {مُخْلِصًا لَّهُ دِينِى} حال من فاعل {أَعْبُدُ} فقيل مؤكدة لما أن تقديم المفعول قد أفاد الحصر وهو يدل على إخلاصه عن الشرك الظاهر والخفي، وقيل: مؤسسة وفسر إخلاص الدين له تعالى بعبادته سبحانه لذاته من غير طلب شيء كقول رابعة: سبحانك ما عبدتك خوفًا من عقابك ولا رجاء ثوابك أو يفسر بتجريده عن الشرك بقسميه وأن يكون معه ما يشينه من غير ذلك كما أشير إليه آنفًا؛ والفرق بين هذا وقوله سبحانه: {قُلْ إِنّى أُمِرْتُ} [الزمر: 11] إلخ أن ذاك أمر ببيان كونه عليه الصلاة والسلام مأمورًا بعبادته تعالى مخلصًا له الدين وهذا أمر بالإخبار بامتثاله بالأمر على أبلغ وجه وآكده إظهارًا لتصلته صلى الله عليه وسلم في الدين وحسمًا لأطماعهم الفارغة حيث أن كفار قريش دعوه صلى الله عليه وسلم إلى دينهم فنزلت لذلك وتمهيدًا لتهديدهم بقوله عز وجل:


{فَاعْبُدُوا مَا شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ (15)}
{فاعبدوا مَا شِئْتُمْ} أن تعبدوه {مِن دُونِهِ} عز وجل، وفيه من الدلالة على شدة الغضب عليهم ما لا يخفى كأنهم لما لم ينتهوا عما نهوا عنه أمروا به كي يحل بهم العقاب {قُلْ إِنَّ الخاسرين} أي الكاملين في الخسران وهو إضاعة ما بهم وإتلاف ما لابد منه لجمعهم أعاظم أنواع الخسران {الذين خَسِرُواْ أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ} باختيارهم الكفر لهما فالمراد بالأهل أتباعهم الذين أضلوهم أي أضاعوا أنفسهم وأضاعوا أهليهم وأتلفوهما {يَوْمُ القيامة} حين يدخلون النار حيث عرضوهما للعذاب السرمدي وأوقعوهما في هلكة ما وراءها هلكة؛ ولو أبقى يوم القيامة على ظاهره لأنه يتبين فيه أمرهم ويتحقق مبدأ خسرانهم صح على ما قيل، وقيل: المراد بالأهل الاتباع مطلقًا وخسرانهم إياهم لأنهم إن كانوا من أهل النار فقد خسروا هم كما خسروا أنفسهم وإن كانوا من أهل الجنة فقد ذهبوا عنهم ذهابًا لا إياب بعده، وتعقب بأن المحذور ذهاب من لو آب لانتفع به الخاسر وذلك غير متصور في الشق الأخير، وقيل: المراد بالأهل ما أعده الله تعالى لمن يدخل الجنة من الخاصة أي وخسروا أهليهم الذين كانوا يكونون لهم في الجنة لو آمنوا، أخرج عبد الرزاق. وعبد بن حميد عن قتادة قال: ليس أحد إلا قد أعد الله تعالى له أهلًا في الجنة إن أطاعه، وأخرج نحوه عن مجاهد، وروي أيضًا عن ميمون بن مهران وكلهم ذكروا ذلك في الآية، وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس أنه قال فيها أيضًا: خسروا أهليهم من أهل الجنة كانوا أعدوا لهم لو عملوا بطاعة الله تعالى فغبنوهم، وهو الذي يقتضيه كلام الحسن فقد روي عنه أنه فسر الأهل بالحور العين، ولا يخفى أن حمل الآية على ذلك لا يخلو عن بعد.
وأيًا ما كان فليس المراد مجرد تعريف الكاملين في الخسران بما ذكر بل بيان أنهم المخاطبون بما تقدم إما بجعل الموصول عبارة عنهم أو بجعله عبارة عما هم مندرجون فيه اندراجًا أوليًا، وما في قوله تعالى: {أَلاَ ذَلِكَ هُوَ الخسران المبين} من استئناف الجملة، وتصديرها بحرف التنبيه والإشارة بذلك إلى بعد منزلة المشار إليه في الشر وأنه لعظمه نزلة المحسوس وتوسيط ضمير الفصل وتعريف الخسران والإتيان به على فعلان الأبلغ من فعل ووصفه بالمبين من الدلالة على كمال هوله وفظاعته وأنه لا نوع من الخسر وراءه ما لا يخفى.
وقوله تعالى:


{لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ ذَلِكَ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ يَا عِبَادِ فَاتَّقُونِ (16)}
{لَهُمْ مّن فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مّنَ النار} إلى آخره نوع بيان لخسرانهم بعد تهويله بطريق الإبهام على أن {لَهُمْ} خبر لظلل و{مِنْ} فوقهم متعلق حذوف حال من ضميرها في الظرف المقدم لا منها نفسها لضعف الحال من المبتدأ، وجعلها فاعل الظرف حينئذٍ اتباع لنظر الأخفش وهو ضعيف، و{مِنَ النار} صفة لظلل.
والكلام جار مجرى التهكم بهم ولذا قيل لهم وعبر عما علاهم من النار بالظلل أي لهم كائنة من فوقهم ظلل كثيرة متراكمة بعضها فوق بعض كائنة من النار {وَمِن تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ} كائنة من النار أيضًا، والمراد أطباق كثيرة منها وتسميتها ظللًا من باب المشاكلة. وقيل هي ظلل لمن تحتهم في طبقة أخرى من طبقات النار ولا يطرد في أهل الطبقة الأخيرة من هؤلاء الخاسرين إلا أن يقال: إنها للشياطين ونحوهم مما لا ذكر لهم هنا، وقيل: إن ما تحتهم يلتهب ويتصاعد منه شيء حتى يكون ظلة فسمي ظلة باعتبار ما آل إليه أخيرًا وليس بذاك، والمراد أن النار محيطة بهم {ذلك} العذاب الفظيع {يُخَوّفُ الله بِهِ عِبَادَهُ} يذكره سبحانه لهم بآيات الوعيد ليخافوا فيجتنبوا ما يوقعهم فيه، وخص بعضهم العباد بالمؤمنين لأنهم المنفعون بالتخويف وعمم آخرون.
وكذا في قوله سبحانه: {قَلِيلًا وإياى فاتقون} ولا تتعرضوا لما يوجب سخطي، ويختلف المراد بالأمر على الوجهين كما لا يخفى، وهذه عظة من الله جل جلاله وعم نواله منطوية على غاية اللطف والرحمة. وقرئ {فِى عِبَادِى} بالياء.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8